الخمر والمخدرات قبل المباراة

بقلم محمد الشريف

الاثنين 9-6-2025

ظهرت في المباريات النهائية لكأس تونس وعلى الأقل في نهائيين لكرة القدم وقبله في نهائي الكرة الطائرة شعارات ضد تعاطي المخدرات رفعت كعناوين بارزة على معلقات ضخمة في محاولة من الجهات المشرفة على تنظيم المسابقات الرياضية كتعبير عن خطورة الموقف الذي بلغته الرياضة التونسية فرأت ضرورة لفت الأنظار والتحسيس بخطورة الافة التي انتشرت بسرعة الصوت مخترقة الأجساد والعقول وتفسد متعة كرة القدم والرياضة عموما

الشعارات التي رفعتها الهياكل الرياضية التونسية آخر الموسم كانت على استحياء خجولة أكدت الأثر البليغ للظاهرة المستفحلة وباحتشام تحاول فعل شيء للتصدي اليها بالتحالف وتكاتف الجهود مع الأطراف الأخرى التي تشتغل على الظاهرة بالمقاربة الأمنية المتكاملة مع مجهودات المجتمع المدني والبحوث الاكاديمية السوسيولوجية والمجهود التربوي التعليمي والتثقيفي لتحسين الوعي وعقلية المواطن التونسي

تفشي تعاطي المخدرات مشكل واضح ومُعلن في كل أوساط الشعب التونسي بمدنه وقراه وطبقاته – وهما طبقتان فقط – واحيائه الراقية والشعبية

لا تعيره الجهات الرسمية العناية الازمة حتى لا تضخم من شأنه ومن خطورة الظاهرة فيتحول الى رأي عام قد يذهب بالأمور الى مربعات أخرى لا يطيقها من له مصلحة في ذلك

لتبدي بعض التساهل مع الطبقات الشعبية التي تتعاطى أرخصها وأسوأها مقارنة بالحيتان الكبيرة التي جمعت ثروات فاحشة من تهريبه والتوزيعه هم أصحاب المال والنفوذ والسلطة اخترقوا الشعب من القمة الى القاع

فباتت المخدرات متوفرة في كل مكان من الأحياء الشعبية يتناولها المراهقون في مجموعات صاخبة على ناصية الطريق وتحت الجدران وأعمدة وخزنة الكهرباء العمومية صباحا مساء لا ضير في ذلك كما لو كانت مباحة لا يمنعها قانون البلاد

 وباتت أحاديث الاحياء في تجمعات الشباب والمراهقين عن أنواع المخدرات المتاحة وقوة تأثيرها وثمن الجرعة وكيفية تعاطيها باللف أو شم أو الحقن أو البلع

قسم كبير من الحكايات والدردشات هنا وهناك، نموذج نستحضره لا يختلف كثيرا مهما تغير اسم الحي  

تفشت آفة المخدرات وعصفت بعقول فئة من الشباب والمراهقين قادتهم الى الحماقات والاعتداءات والعنف والجريمة بأنواعها

لا فرق بين الشارع والمدرسة ووسائل النقل والفضاءات العامة منها الملاعب الرياضية وكرة القدم تحديدا 

نستفيق على خبر مهاجمة تلميذ لأستاذه بآلة حادة كاد يجهز عليه

تلميذ الابتدائي يطعن زميله ويرديه قتيلا

أحدهم يهاجم المارة ويسلبهم ممتلكاتهم لا فرق بين الضحايا نساء وشيوخ وأطفال وكل من تأتي به الاقدار الى طريقه 

وجرائم العنف والتحرش والاغتصاب على العلن أحيانا يرهب الناس لا يوقفه عن ذلك أحد

وكثيرة اشرطة الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف تهديدات واعتداءات بالسلاح الأبيض في المترو والقطار والفضاءات العامة على مرأى ومسمع الناس

مظاهر تزيد في خطورة الأوضاع وانعدام الإحساس بالأمان تأكدها الصحيفة القضائية اليومية للمحاكم التونسية بتنوع الجرائم الناجمة على تعاطي الخمور والمخدرات تهدد المجتمع التونسي في كيانه وصيرورته ودورة الحياة الآمنة على الذوات والممتلكات

تتسع قاعدة هذه الفئة من المجتمع التونسي كل يوم وتجد الأرضية الخصبة في الواقع الاجتماعي الصعب الذي يعيشه الشعب التونسي في السنوات الأخيرة الذي يتدحرج بسرعة نحو الفقر والخصاصة والحرمان والبطالة والتفكك الأسري بازدياد نسبة الطلاق وانهيار مؤسسة العائلة وضياع قيمة الرابط الأسري وما يفترض تقديمه للطفل من حاضنة عاطفية ووجدانية وتربوية

فازداد عدد أطفال الشارع والطفولة الجامحة فئة هشة شديدة الخطيرة عندما تُترك لمصيرها بدون تأطير تربوي مؤسساتي

في ملاعب كرة القدم

ولأن واقع الشارع التونسي متداخلا متشابكا ستنطلق هذه التركيبة المعقدة بكل مشاكلها وحالتها النفسية والذهنية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والثقافية الى الميادين الرياضية وملاعب كرة القدم،

وهناك ضمن الحشود سيستحضر كل عنصر من الجماهير فصول معاناته خارج الملعب وبدون وعي بما يدور حوله بسبب ما تعاطى قبل المباراة من مواد متلفة للعقل ومحفّزة لحالة التوحش التي يصبح عليها داخل الحشود، فيظهر مشهد الفوضى والعنف والصدامات الجميع ضد الجميع.

تمجد الثقافة السائدة في الأحياء الشعبية من يستمتع بكرة القدم كما يجب فيتناول بضع قوارير من الخمر ليرفع المزاج ودرجة الاستمتاع بمناصرة وتشجيع نادية من مدرجات الملعب مع بقية الأنصار

وظاهرة احتساء الخمر في السيارات مع الأصدقاء في اتجاه ملعب المباراة طقس دارج ومعروف لدى الجمهور الرياضي وهي سلوكات تسببت في احداث درامية لا تنسى.

واليوم لم يعد الخمر فقط مشكلا بل يضاف اليه قائمة طويلة من أصناف المخدرات التي انتشرت في أوساط المراهقين والشباب وأصبحت متاحة بكثرة.

خمر ومخدرات مع فقر وحرمان وكبت وبطالة وتهميش ومتابعات طيلة الأسبوع للإعلام الرياضي الذي سنتحدث عن دوره في اشعال الفتيل وتهيئة الجو حتى إذا حضرت هذه الحشود في المدرجات يوم المباراة تكون جاهزة لأسوئ الاحتمالات  

وشواهد هذا الموسم كثيرة ومفزعة غير مطمئنة بالمرة

عنف وفوضى عارمة تكتسح المدارج والميادين واختلاط الحابل بالنابل لا يمكن ان يكون لمجرد مباراة كرة قدم بل ضرورة لواقع صعب يعيشه الشعب التونسي في كل مكان ومنها ملاعب كرة القدم والرياضات الجماعية التي تتأثر بأجواء الرياضة الشعبية الأولى وتتماهى مع ما يحدث في ملاعبها..

يتصادم جمهور الفريقين كمرحلة أولى ثم ينقسم الجمهور الواحد على نفسه فيتصارع على القيادة والريادة وقوة الانتماء

ثم يشتم جمهور الفريقين بعضهما بأبشع النعوت والاوصاف الجارحة المهينة

يرد الجمهور المقابل وترمى المقذوفات

وإذا سجل فريقه هدفا أشعل الشماريخ ورماها على أرضية الميدان

ننتظر تدخل الحماية المنية لرفعها واطفائها

وننتظر حتى تنقشع الغمامة التي احدثتها الشماريخ هنا وهناك كي تتواصل المباراة الى صافرة النهاية عندما يغادر الجمهور المدرجات

وخارج الملعب تبدأ المطاردات وتبادل العنف بين الجمهور ورجال الامن لتفريق الحشود تحولت في مناسبات معلومة الى وقوع ضحايا – حادثة وفاة المشجع عمر من احباء النادي الافريقي –

حدثني أحد الثقاة عرف بتعصبه في حب فرق من العاصمة ويحضر في المدرجات بين أنصار فريقه أن هناك من الجمهور من يتعاطى المخدرات في المدرج وبعض البلطجية من جماهير النادي الواحد يعتدون على عناصر من جمهور فريقهم فيسلبونهم ممتلكاتهم وملابسهم